فوسي ماكوسي


قصة قصيرة

فوسي ماكوسي
أورسولا ويلز جونز
ترجمة : ياسر عبد الله.

كان فوسي ماكوسي متفائلاً إلى أبعد مدى، كان متفائلاً على الرغم من أنه كان يعيش في بقعة من أفقر بقاع الأرض، وعلى الرغم من أنه لم يكن يملك سوى بدلة واحدة لا يكاد بنطالها يصل إلى كاحليه.
حين أنهى فوسي ماكوسي دراسته، قرر أن التحاقه بالخدمة المدنية سيوفر له مهنة محترمة، نظر الرجل المسئول عن التوظيف مليًا إلى فوسي، ورأى على الفور أنه لن يصلح أبدًا لأي شيء.
" أتعرف، أعتقد أن لدي وظيفة شاغرة لشاب طموح مثلك " قال له الموظف.
قضى فوسي وقتًا طويلاً في الحافلة، اهتزت الحافلة ورجفت ورنت، وهي تتخذ طريقها، موغلة أكثر وأكثر في عمق الأدغال، وأخيرًا توقفت في غور موحل محاط كلية بالغابة.
" لكن أين تقع القرية؟ " سأل فوسي.
أشار سائق الحافلة إلى الطريق.
" وفي أي يوم ستعود الحافلة إلى هنا مرة أخرى؟"
" يوم السبت" قال سائق الحافلة بغيظ، كان فوسي قد قضى العشرين ساعة الفائتة وهو يحكي لكل ركاب الحافلة عن وظيفته الجديدة، وكان السائق قد سئم منه.
مشى فوسي كثيرًا عبر التلال الصاعدة إلى القرية، طرق باب كوخ العمدة، وجلس منتظرًا، جاءت القرية كلها لتحدق فيه، وحين ظهر العمدة، أخيرًا، قام فوسي منتصبًا.
" عمت صباحًا يا سيدي" قال فوسي " أنا موظف الحكومة الجديدة المرسل لهذه الأنحاء، لقد أرسلوني لأجلب السلام، والرخاء، والوحدة، والتنمية، والتعليم للشعب، لقد أتيت إلى هنا لأظهر جود وكرم حكومتنا العظيمة الرحيمة، أيًا ما كان احتياجات القرية، من طرق، مدراس، تقاوي، مياه، جرارات، مدرسين، أطباء، ستوفره الحكومة عن طيب خاطر، كل ما علي فعله أن أكتب طلباتكم في لائحة، وستصل إليكم بكل تأكيد".
بحلق العمدة في فوسي ثم أنفجر ضاحكًا، ضحك العمدة "آه-ها، آه-ها، أههههههه-هاهاهاها". وقع أهل القرية من الضحك وهم يخبطون على ظهور بعضهم في مرح.
" أيها الشاب" قال العمدة " لنا زمن لم يزر هذه القرية أي ممثل ساخر "
" لكن يا سيدي" قال فوسي " أنا جاد تمامًا"
ضحك العمدة مرة أخرى، "آهاهاهاهاه !".
" يا سيدي المحترم، أرجوك توقف عن الضحك، ألا تستطيع أن ترى أمي العجوز المحترمة البالغة من العمر 83 عامًا، وهي تتألم بسبب سخريتك هذه؟ هل ترغب أن تمزق العجوز ضلوعها كمدًا" صاح فوسي.
في تلك الليلة كان هناك عشاء خاص على شرف فوسي، فقط، في اليوم التالي حين بدأ فوسي في التجوال عبر القرية حاملًا لوح كتابة، أصاب القرويون الارتياب.
" إنه مجنون، بسبب جنونه طردوه من المدينة" قال القس.
" إنه جاسوس، يقوم بكتابة هذه اللائحة المزعومة ليستطع سرقة كل ما نملكه" قالت زوجة العمدة
" أعتقد أنه وقع على رأسه وهو صغير، وهذا سر غرابته " قال الحداد.
حين انقضت ثمانية وعشرون يومًا، مضى فوسي إلى العمدة وشرح له أنه قد عمل لمدة أربعة أسابيع على التوالي، وأنه ينتوي الحصول على ثمانية أيام من الراحة، يرغب خلالها في زيارة والدته العجوز، كذلك، طلب من العمدة أن يستعير مظلته، وعرض عليه أن يشتري له مظلة جديدة، بمجرد وصوله إلى المدينة، حيث يستطيع سحب مرتبه الحكومي الجديد البراق من حسابه البنكي الجديد البراق.
وافق العمدة، بهزة من رأسه، على إعارته المظلة، ذهب فوسي بعدها إلى زوجة العمدة وطلب منها أن تعيره بطانية، ثم مضى إلى الحداد وطلب منه سكينًا، فالطريق إلى موقف الحافلة كان طويلًا، وكانت الأشجار المتشابكة قد نبتت على جانبيه، ثم غادر حاملًا حقيبته المرقعة.
" اسمعوا، لابد أن يخبره أحد أنه ليست هناك حافلة قادمة" قال العمدة.
انتظروا وانتظروا، لكن، في النهاية، نزل الحداد إلى الوادي ووجد فوسي منتظرًا على الطريق الوسخ.
" فوسي يقول أنه من المؤكد أن الحافلة ستأتي عما قريب" شرح الحداد لأهل القرية " وهو لا يرغب في تفويتها" ، وحين انقضى يومان آخران، نزل العمدة بنفسه وحاول أن يتحدث بحديث العقل مع فوسي، عاد، وهو يهز رأسه، حاول القس كذلك لكن بلا نجاح يذكر.
" إنه محصن ضد صوت العقل " قالت زوجة العمدة " لذا ربما كان علينا أن نركن إلى صوت القلب، أو العينين، ارسل له بنت الفخار، فهي أجمل فتاة في القرية كلها"
عادت بنت الفخار تهز كتفيها بيأس.
" ارسل بنت أخت القس" اقترح الحداد " ربما لا تكون هي الأجمل لكنها الأذكى ،وذهنها الأكثر حدة بين الأذهان، وماهرة في استخدام الكلمات".
قام القرويون بإرسال كل فتيات القرية ولم يتبق سوى واحدة.
" حسنًا يمكنها أن تجرب حظها" قال العمدة متثائبًا، ثم دخل إلى كوخه لينام قيلولته.
اقتحمت الفتاة الطريق نازلة إلى فوسي، كانت غاضبة من اعتبارها الفتاة الأتفه والأغبى في كل القرية، لذا بمجرد أن رأت فوسي رمته ببذرة مانجو.
" أحمق، مجنون" صرخت " هل تود أن ترَ ما إذا كنت أهتم بامرك، هل تعتقد أن أحدًا سيهتم بأمرك لو جلست هنا حتى تُرسخ صنمًا"، بعدها، ولأنها كانت في قمة استيائها، انفجرت في البكاء.
نظر فوسي إلى الفتاة مليًا، ثم ركع على ركبتيه.
" سيدتي العزيزة" قال فوسي " لا بد أن تغفري لي، ففيض المشاعر هذا ما كان له أن يخرج سوى تحت وطأة إعلان عواطفك الحقيقية تجاهي، ولو كنت أبديت جهلي لمشاعرك فذلك بسبب أنك لم تعلنيها لي من ذي قبل، لماذا، لو كنتِ قد علمتُ أنكِ تحبينني لما كنت قد تصرفت حيالك بغلظة القلب تلك، يا لها من أخبار طيبة ! حين تأتي الحافلة وأذهب وأري أمي، لا بد أن أخبرها أني لاقيت زوجتي المستقبلية، فليتمجد الرب ! حتى ذلك الحين، ربما سيكون من اللطف أن تمضي قليلًا من الوقت بصحبتي، ننتظر الحافلة سويًا"
ولأن كل ذلك كان أفضل بكثير من سماع أقوالهم عن كونها تافهة غبية، رضيت الفتاة بالانتظار بصحبته، بدأ فوسي في إخبارها عن المستقبل، كيف سيكون كل شيء بغاية الروعة، حكى لها عن الجرارات، والعيادات، والمدارس، ومضخات المياه، والأبقار السمان، والدجاجات المربربات، والخضروات العملاقة، والبشر المبتسمة، وأسقف الصفيح، والتلفاز، والحمامات النظيفة، ومكاتب البريد، والهواتف، والطرق المعبدة، والطائرات وناطحات السحاب، والحافلات المنتظمة التي تحافظ على مواعيدها لكل نواحي الأرياف.
في الصباح بدأت الأمطار في الهطول، أخرج فوسي مظلة العمدة وقام بفردها، أمطرت السماء وأمطرت، ظهر قرد أحمر وجلس على الطرف البعيد للطريق، كان يبدو حزينًا وقذرًا.
" انظري، إن القرد ينتظر ليستقل الحافلة " قال فوسي.
" لكنه، يا فوسي،لا يحمل شنطة أو حقيبة سفر" قالت الفتاة
" أنتِ محقة" وافق فوسي كلامها " إذًا ربما كان يتوقع قدوم أقربائه في الحافلة وينتظرهم لتحيتهم"
بعد فترة بدأ القرد في الارتجاف.
" يا فوسي" قالت الفتاة " إما أن تسمح للقرد بالدخول تحت المظلة وإما أن تطرده بعيدًا، لا يمكنني تحمل رؤية وجهه الحزين بعد الآن"
" أي نعم، بالطبع، يجب عليه الدخول تحت المظلة" قال فوسي " في النهاية، حتى القرد يعد مواطنًا من مواطني أمتنا العظيمة المجيدة"
القرد وفوسي والفتاة، جلسوا معًا تحت المظلة، استمر المطر في الهطول، وتكونت بركة عظيمة في الغور.
" بكل تأكيد" قالت الفتاة التي كانت قد أدركت الآن طريقة تفكير فوسي " إن شعب أمتنا العظيمة لا يجب عليهم انتظار الحافلات في المطر، وحيث أنك موظف حكومي فعليك أن تقطع لنا بعض جذوع الأشجار وتبني لنا كوخًا بينما ننتظر قدوم الحافلة، سيكون هذا العمل خدمة لكل أفراد الشعب".
"أرى أنكِ لست مجرد وجهًا جميلًا " قال فوسي مطرقًا برأسه " شيء واحد فقط، ماذا لو جاءت الحافلة وأنا أقوم بقطع جذوع الأشجار، عندها سيكون عليك أن تصيحي وتنادي علي، لأني لا أريد أن أخيب ظن والدتي العجوز"
هكذا أخذ فوسي سكينته وقام بقطع الجذوع وصنع منها كوخًا.
فوسي والفتاة انتظرا في الكوخ، جلس القرد في السطح، مر يوم آخر وآخر وآخر، توقف المطر في آخر الأمر، نزل العمدة ومعه القرية إلى الطريق، صدموا مما رأوه وعادوا لمنازلهم، استمرت البركة والنهر في الامتلاء، صاد فوسي سمكة للعشاء، لا شيء عبر على الطريق، لا شيء على الإطلاق.
فوسي والفتاة انتظرا في الكوخ، انتظرا كثيرًا جدًا، أنجبت الفتاة طفلًا.
" كم ستسعد أمي حين ترى الطفل" بكى فوسي من الفرحة.
" بكل تأكيد يا زوجي الحبيب" قالت الفتاة " سينتظر الناس الحافلات هنا بصحبة أطفالهم، وأعتقد أنه يجب أن يكون لديهم مكان للاسترخاء والنوم في هدوء".
فوسي أخذ سكينه وقطع مزيدًا من الجذوع وصنع غرفة أخرى، خارج الكوخ نبتت بذرة المانجو، بدأت الأغصان في الظهور، وانتقلت قردة ثانية للعيش مع القرد الأول، وأنجب القردان طفلًا هما الأخران، أمطرت السماء وأمطرت، وأرتفع النهر وامتلأ.
" فوسي " قالت الفتاة " في يوم ما سيكون هنا موقف حافلات مزدحم، وسيكون هناك كثير من الركاب، أي شخص يستطيع أن يوفر لهم المأكل والمشرب ستكون له تجارة رابحة، أظن أنه من الأفضل لو جهزت الأرض وزرعت الذرة الصالحة لصنع العصيدة والشعير الصالح لصنع البيرة، حينها لن تكون أنت وحدك موظف حكومة بل سأكون أنا أيضًا سيدة أعمال"
هكذا حرثت الفتاة التربة الواقعة على ضفة النهر، وقامت بزراعة حديقة، ثم ذهبت إلى الكوخ وأنجبت طفلًا آخر.
"أعتقد إني اخطأت في سماع ذلك السيد المحترم " قال فوسي ذات يوم " بالتأكيد لا يمكن أن يكون يوم السبت هو وقت وصول الحافلة، لا بد أنه كان يقصد شهر يناير، لكن لم تأت أية حافلة لمدة ثلاث سنوات، من المؤكد أن الحافلات كلها ستصل في وقت واحد، ثلاثة من الحافلات ستصل معًا، كهذا هي عادة الحافلات"
" فوسي" قالت الفتاة " لو كانت هناك ثلاثة حافلات محملة بالركاب في الطريق إلينا فأنا لا أملك لهم طعامًا كافيًا، إلى جانب أن المطعم الجيد لا بد أن يكون لديه تنوعًا في الأصناف المقدمة، اذهب إلى الأدغال وصد لنا زوجين من الطيور التي رأيناها في السابق، ويمكنني أن أحتفظ بها، بتلك الطريقة سيكون لدينا طعام كاف لكل فرد"
" يا لها من فكرة جيدة" قال فوسي " لكن لو جاءت الحافلة وأنا في الأدغال سيكون عليك أن تطلبي منهم أن ينتظرونني"
جلست الفتاة على جانب الطريق تنتظر قدوم الحافلة، ولم يأت أي شيء، حتى القرويين لم يأت أي منهم مرة ثانية، بعد خمسة أيام عاد فوسي، قابضًا على فرختين بريتين رائعتين.
" هل فاتتني الحافلة" سأل فوسي بقلق، لكن زوجته طمأنته.
" لا بد أنه الطقس" قال فوسي" لقد كان متقلبًا جدًا في الآونة الأخيرة، أظن أن الحافلة لن تأت هذا العام، على كل، وبما أن الحافلات لا يمكن تخمين مواعيدها بهذه الكيفية سيكون من المخزي ترك هذا المكان، خاصة بعد أن قد قمنا بالترتيبات الكثيرة تلك، وجهزنا مطعمًا وخانًا".
مر ذلك العام.
" فوسي" قالت الفتاة" لابد أن تبني حظيرة لتضع بداخلها الدجاجات البرية، فإن لم تفعل ستركض الدجاجات فوق الحافلات"
مر عام آخر.
" فوسي " قالت الفتاة " إن الأسماك لا تعيش في الفصول الجافة من السنة، ماذا لو جاءت الحافلة ولم تكن هناك أسماك ؟ كيف سأطعم الركاب وقتها ؟ لا بد أن تبنِ سدًا على النهر"
مر عام آخر وأنجبت الفتاة طفلًا آخر.
" مما لا شك فيه أن مستوى الخدمة غير مقبول " قال فوسي ذات يوم " حين تأتي الحافلة وتقلنا إلى المدينة سأكتب خطابًا وأرفعه إلى وزير النقل، النقطة الوحيدة الجيدة، يا زوجتي، أنه، في كل أسبوع، تزداد مرتبي في حسابي البنكي الحكومي"
مر عام آخر ولم تأت الحافلة، بدأت شجرة المانجو في إنتاج ثمار مانجو طيبة جدًا، انتظروا الحافلة طويلاً جدًا، وبدا فوسي مهمومًا في التفكير في زوجة لابنه الأكبر.
ثم حدث، في يوم من الأيام، أن سمعت ضجة غريبة في الأدغال، بدا كما لو كان صداها يملأ الأركان.
" الحافلة، الحافلة" صاح أطفال فوسي فرحين فوالدهم كان قد أخبرهم من قبل عن هذا الوحش الغريب.
على حافة التل جاءت مروحية بيضاء مكتوب على جانبها حرفا UN، حطت على الطريق، نزل منها أربعة جنود عصبيين يرتدون بيريهات زرقاء، من خلفهم عالمان في معطفين أبيضين، يمسكان بلوحي كتابة، وجهاهما مغطيان بأقنعة طبية، وأخيرًا، نزل سياسي يرتدي بدلة ويمسك منديلًا على أنفه، وجنرال يقبض على خوذة معدنية، حدقوا جميعًا في فوسي، وحدقوا في زوجه، وفي أطفاله السبعة.
" فهمت" قال فوسي " إنهم يطورون الخدمة، أصبح الآن هناك مروحيات بدلًا من الحافلة، هذا هو سبب انتظارنا كل ذلك الوقت"
" ماذا تفعلون هنا؟" قال السياسي.
" نحن ننتظر الحافلة" قال فوسي بهدوء ملحوظ.
" لكن كيف نجوتم من الحرب الأهلية" سأل الجنرال.
" حرب أهلية ! " قال فوسي، وبدت عليه الحيرة.
" أجل، الحرب الأهلية التي قضت على نفس السكان" قال السياسي.
" أؤكد لك أننا لم نر أي جنود" قال فوسي وهو يهز رأسه.
" لكن حتى لو نجوتم من الحرب الأهلية كيف نجوتم من المجاعة التي قضت على نصف الناجين من الحرب" سأل الجنرال
" مجاعة !! " قالت زوج فوسي، نظرت حولها لترى أشجار المانجو وحقل الشعير وحظيرة الدجاجات البرية السمان.
" حسنًا، حتى لو نجوتم من الحرب والمجاعة، كيف نجوتم من الفيروس؟" سأل احد العلماء.
" فيروس !!!" قال فوسي " أي فيروس؟".
" الفيروس المميت الذي قضى على كل الناجين من الحرب والمجاعة" قال العالم الثاني " ذلك الفيروس المميت غير القابل للعلاج الذي لم يكن لأي من البشر أو للقردة مناعة ضده، سوى نوع نادر بصورة قصوى بل حتى شبه منقرض من قردة الليمور ذي الفرو الأحمر"
تسلق قرد صغير على كتف فوسي وبدأ في حك راسه بصورة مألوفة، هرش فوسي رأس القرد بذهن شارد.
" من الغريب أنك قلت هذا" قال فوسي بعد لأيٍ" لا أستطيع التذكر أن واحد منا أصيب بأي مرض من قبل".
" فوسي " قالت زوجه وهي تهز مرفقه " ادعوهم لتناول العشاء، يمكنهم أن يكونوا أول زبائننا"
" بكل تأكيد" قال فوسي مطرقًا برأسه " سمك أم دجاج بري ؟"
لكن السياسيين والعلماء والجنود أوجسوا منهم خيفة، وشرعوا في العودة إلى مروحيتهم.
" علينا الذهاب الآن" قال الجنرال.
" من المؤكد أن علينا إخراجك من هنا " قال السياسي بصوت آمر " سنحضر لك كل الحاجات، المساعدة، المعونة، العون، الملابس النظيفة، منزل، كهرباء، حمام لائق، كل شيء، ستصبح شهيرًا، وستقوم الصحف بإجراء حوارات معك"
" شكرًا لك" قال فوسي بأدب " لكن لا يمكننا الرحيل فنحن ننتظر الحافلة، على كل، هناك معروف يمكن أن تصنعه لي، هل معك قلم وورقة"
جلس فوسي وخط مذكرة قصيرة مرفوعة إلى السيد وزير النقل يشكو فيها من عدم كفاءة الحافلات الريفية، ثم وضعها بين يدي السياسي.
بعد أن غادرت المروحية بدا فوسي في مزاج سيء.
" مجاعة، حرب، أمراض، بالتأكيد لا يمكن أن تصح هذه الأنباء عن بلدنا الجميلة" قال فوسي.
" ربما كانوا يكذبون" قالت زوجته " دعنا نمضي إلى أعلى التل لننظر ماذا جرى"
مضى فوسي وزوجته عبر الطريق القديم الذي لم يستخدمه أحد لسنين طويلة، كان الطريق مغطى بالصخور، مهشم مكسر، مزقته الأنهار تمامًا، أخيرًا، صعدا إلى قمة التل، على مدى البصر كانت هناك أرض يباب من الأشجار المجرفة، الدبابات المحترقة، القرى الهالكة والحقول المهجورة.
سار فوسي وزوجته إلى منزلهما متشابكي الأيدي، صار فوسي أكثر هدوءًا، جلس فوسي وحوله زوجته وأطفاله، بدا مهمومًا جدًا وفي النهاية تحدث.
" زوجتي" قال فوسي" أعرف أنه، في كثير من الأحيان، كان هناك من يعتبرني أحمق قليل العقل، لكن لا يسعني الآن سوى التفكير، كما قلت من قبل، أن كل شيء فعلته أثبت في النهاية أفضليته"
وجلس يأكل، بشهية قليلة، طبقًا كبيرًا من الدجاج البري.